الجائحة وأضرار الإغلاق المدرسي
سامي ويستفول*
يعيش العالم لحظة أمل وترقب بعد تراجع أرقام الإصابات والوفيات جراء جائحة فيروس كورونا، مما سمح بعودة التلاميذ إلى المدارس والابتعاد عن الشاشات اللوحية في معظم أنحاء العالم. وفي بعض المناطق، ومنها أجزاء من الولايات المتحدة الأميركية، أُغلقت المدارس لعام ونصف ثم عادت لفتح أبوابها، رغم استمرار تفشي فيروس كورونا في بعض المناطق. وفي خمس دول، هي بنجلاديش والكويت والفلبين والسعودية وفنزويلا، توقف التعليم في الفصول الدراسية على مستوى البلاد 18 شهراً.

ولا نهاية تلوح في الأفق لهذا الإغلاق في دول مثل الفلبين وفنزويلا. وكثير من البلدان التي شهدت فترات توقف للتعليم في المدارس كانت من الدول الأقل استعداداً للانتقال نحو نظام التعليم عن بُعد. ويخشى معلمون من مغبة ذلك على الطلاب. ففي الفلبين مؤخراً، عاد التلاميذ إلى الدراسةَ عن بُعد، وذلك لثالث عام دراسي منذ بداية الجائحة. وبالنسبة لكثير من المدرسين، يبدو الوضع ميؤوساً منه، بحسب قول «رايموند باسيليو»، الأمين العام لـ«تحالف المدرسين المعنيين»، وهو منظمة كبيرة للعاملين في التعليم في الفلبين.

ومن بين 27 مليون طالب تقريباً في مراحل التعليم في البلاد، لم يشارك منهم إلا 14% تقريباً في الدراسة عن بُعد خلال الخريف الماضي، وذلك وفقاً لمسح أجري في نوفمبر 2020. وأكثر من ثلاثة أرباع الطلاب -من بينهم كل طلاب الريف تقريباً- مدرجون في نظام الوحدة التربوية. وفي هذا النظام يمر الطلاب أو أولياء الأمور كل أسبوعين بالمدرسة للحصول على «وحدة تربوية» وأوراق للكتابة، ثم تعاد التكليفات إلى المدرسين بالطريقة نفسها. وكل وحدة تربوية تتضمن عادةً 10 صفحات.

وذكر باسيليو أن الأسر الميسورة تشتري على الأرجح حزم إنترنت كافية وتدرج أطفالها في الدراسة عبر الإنترنت ويمكنها أيضاً استئجار معلمين لمساعدة الأطفال في التعلم. وأشار باسيليو إلى أن هذا غير متاح لأبناء عمال الزراعة والصيادين وعمال المدن الفقراء. ويوجد في الفلبين أكثر من 17 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقاً لبيانات بنك التنمية الآسيوي. وعبّر باسيليو عن قلق المعلمين لأنهم «سيجدون أنفسهم في وضع يمثل معضلةً. فكيف يقومون بتدريس مهارات التفكير الأعلى إذا كان التلاميذ غير قادرين على القراءة والكتابة».

وأشار برهان شقرون، مدير السياسات وأنظمة التعليم مدى الحياة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إلى أن التعليم بالحضور الشخصي عاد منذ العام الماضي على مستوى العالم. والتلاميذ في 119 دولة حول العالم يذهبون الآن إلى المدارس صعوداً من 95 دولة في سبتمبر 2020. ونحو 8% من تلاميذ العالم يواجهون عملية إغلاق كامل للمدارس مقارنة مع 41% في الوقت نفسه من العام الماضي. وبيانات اليونسكو عن الإغلاق لا تتضمن إعادة الفتح الجزئية التي قد تعني وجود بضع مدارس مفتوحة في بلد ما. وذكر شقرون أن بعض الدول أغلقت المدارس أمام جماعات عمرية معينة وصفوف دراسية معينة. وبعض المدارس مفتوحة لكن مع تقليص وقت التواجد في الغرف الدراسية كما هو الحال في جزر الباهاما والإكوادور.

وفي بعض الدول، مثل إندونيسيا والمكسيك والولايات المتحدة، تتفاوت حالات المدارس بحسب الولاية والإقليم. ووجدت اليونسكو أن اليوم الأول على الإطلاق في المدرسة لنحو 140 مليون طفل من أصغر تلاميذ العالم تأجَّل بسبب الجائحة. ودشن البنك الدولي وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) واليونسكو «رسالة استعادة التعليم» 2021 لحث الحكومات على إعادة كل التلاميذ إلى المدارس للحصول على تعليم كامل أو جزئي بالحضور الشخصي قبل نهاية عام 2021، مجادلين بأن ضرر التعليم عن بُعد على التلاميذ يفوق مخاطر «كوفيد-19». وما زالت معدلات الإصابة بـ«كوفيد-19» عاليةً على الصعيد العالمي، ولكن الائتلاف يقول إن المدارس يمكن فتح أبوابها مع اتخاذ احتياطات «حتى لو لم يتم احتواء العدوى في المجتمع بشكل كامل وحتى إذا كان معدل تغطية الحصول على اللقاحات منخفضاً».

وذكر روبرت جينكينز، المدير العالمي للتعليم في اليونيسيف، لـ«واشنطن بوست»، أن الحجم الكبير ومدة التعطل الطويلة للدراسة لم يشهد العالم لهما مثيلاً من قبل، مع تضرر 1.6 مليار طالب في ذروة الجائحة ومع مواجهة التلاميذ إغلاق المدارس لأكثر من 76 أسبوعاً. وأضاف جينكينز أنه حتى في حالات الأعاصير والفيضانات والصراعات «لم نسمع تقريباً عن بقاء الأطفال بعيداً عن المدارس لمثل هذه الفترة الطويلة».

وأضاف أن الفقراء والمهمَّشين هم الأكثر تضرراً. وكان التوقف عن الدراسة مدمِّراً، حسبما تؤكد «رومينا أفروزا»، وهي معلمة في مدرسة ريفية صغيرة عليا في وسط بنجلاديش التي أغلقت مدارسها على المستوى القومي 18 شهراً. فبعد الإغلاق ذهب بعض التلاميذ للعمل في الحقول أو مصانع الملابس، وآخرون منهم انسحبوا ببساطة من الدراسة. وتزوجت كثير من الطالبات. وتقول أفروزا إنها حثت الفتيات على ألا يتزوجن قبل بلوغهن 18 عاماً، ولكن الجائحة جعلت الانتظار صعباً لكثير من الأسر التي لديها فتيات تتراوح أعمارهن بين 14 و17 عاماً. وذكرت اليونيسيف أن عدد الفتيات اللائي أصبحن زوجات في سن الطفولة زاد بعشرة ملايين فتاة على مستوى العالم بسبب الجائحة. 

*صحفي متخصص في الشؤون الخارجية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»